Skip to main content

حدث وتحليل : التعديلات على نظام وثائق السفر

صدرت تعديلات على نظام وثائق السفر تتعلق بإلغاء إذن السفر لمن تجاوز السن القانوني وهو واحد وعشرون عاماً من المواطنين السعوديين سواء كان ذكرا أو أنثى ، وكذلك جعل المسؤول عن استخراج إذن السفر هو من له الحضانة من الوالدين أو غيرهما ، ولاشك أن هذا التعديل يهدف إلى الحد من النزاعات المتعلقة بموضوع السفر ، سواء في حالات الطلاق أو بين المرأة متزوجة أو غير المتزوجة ووليها والتي تحال غالبا إلى المحاكم ، وكان غالب السير في هذه القضايا هو عدم الإذن بسبب اعتبار ذلك أصلا لا محيد عنه إلا في حالات الضرورة التي يندر تحققها .

وقبل الخوض في هذا الموضوع نؤكد على أصل شرعي وهو أن أحكام الشريعة المستقرة لا تتغير بصدور تعديل نظامي ولا غيره ، وأن التعبير عن هذه التعديلات بأنها ” إسقاط للولاية ” مزلق خطير يؤثر في عقيدة المسلم ، ذلك أن الولاية أعني ولاية السفر حكم شرعي لا يسقط بقرار ، لكونه ثابت بما استقرت عليه الأحكام الشرعية من منع الزوجة من الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه ، وأن من حقوق الزوج بقاء المرأة في بيتها بما تقره أعراف المسلمين ، وغير الزوجة أولى فالمرأة عورة بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعورة تُحفظ وتُستر بما يصونها ويبعد عنها قالة السوء .

ولاشك أن المنظم السعودي في تعديله الأخير لم يرد هذا المعنى الذي طار به كثير من الليبراليين ومن يغتر بهم ممن يسمون أنصارا للحركة النسوية ، وقصارى ما خلص إليه المنظم هو رفع يد النظام عن هذه العلاقة الخاصة بين المرأة ووليها ، لتبقى في حدود الخصوصية ، فكما أن المنظم لم يتدخل في منع المرأة من الخروج من بيتها بغير إذن وليها ، وترك ذلك في نطاق الخصوصية فكذلك الحال في السفر حيث أحاله على خصوصية العلاقة بين المرأة ووليها ، مع بقاء حكم الشرع على الجميع في تأثم المرأة بسفرها بغير إذن وليها ، وتعريضها نفسها للخطر الذي قد يجر الضرر على وليها تبعا .

ومما يحسن التنبيه له أن إساءة استعمال النظام قديما من قبل بعض الأولياء -على قلتهم- مع التضخيم الإعلامي لهذه الإساءات هو مما تسبب بهذا التعديل ؛ وذلك لكون العالم اليوم صار قرية صغيرة ، والجرائم التي تصدر من بعض الجهلة والظلمة حينما ينشرها الإعلام ويجعلها هي الظاهرة ، مع التجاهل التام للصور المشرقة لأولئك الأولياء الذين ضحوا بأموالهم وأوقاتهم من أجل وظيفة أو دراسة لمن هم في ذمتهم من العورات كل ذلك جعل الصورة النمطية لمفهوم الولاية في مجتمعنا مرادفة عند البعض لمعنى التسلط والابتزاز وهي في الحقيقة تتلخص بمسؤولية الرعاية والصيانة والحفظ للمرأة .

ومما ينبغي أن يؤكد عليه أنه رغم صدور التنظيم الإداري إلا أن الشريعة جعلت لأي من الزوجين الاعتراض على السفر بالمحضون خارج البلد الذي فيه الزوجان حفاظا على حق الطرف الثاني ، فإذا لم يظهر للقاضي عند اعتراض أحد الأطراف مصلحة المحضون في السفر أو ظهر له أن في سفر المحضون مفسدة متعدية أو أن في بقاءه في البلد مع الطرف الثاني مصلحة أكبر فله منع الحاضن من السفر بالمحضون بناء على دعوى يرفعها الطرف غير الحاضن ، على يكون الفصل في هذه القضايا بشكل سريع مع عدم الالتفات الى المفاسد المتوهمة وما قد يثيره المعترض من قضايا في السفر لا يسلم منها عادة كل طفل يسافر مع والديه مجتمعين وإنما الدافع للاعتراض بها وإثارتها هو مجرد المناكفة للطرف الاخر .

وختاماً فربما صحت الأبدان بالعلل ، وربما كان في رفع التنظيم يده عن العلاقة بين المرأة ووليها سبب في إعادة العلاقة الطبيعية بين المرأة ووليها التي تقوم على الديانة ومراقبة الله ، فالمرأة تطيع ربها في زوجها ووليها ، والرجل يطيع ربه في زوجته وموليته ، فيحسن كل واحد من الطرفين في معاملة الآخر ويتق الله فيه ليكونا معا بنية المجتمع الذي اختار الإسلام ديناً والشريعة منهجاً ، فتمثلوا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتهم فكانوا قرآنا يمشي على الأرض ، والله يتولى الصالحين .

× whatsapp