Skip to main content

نور الهداية

الهداية ببساطة أن يأخذ بيدك الله ـ لا غيره ـ إلى الصراط المستقيم ، فيدخلك في رحمته ويجرك من عذابه .
وليس غير الهداية بهذا المعنى نافعاً في الدنيا ولا في الآخرة .
النسب لم ينفع أبا لهب ، عم النبي صلى الله عليه وسلم ، أنزل الله فيه : ( سيصلى ناراً ذات لهب ) .
النفع للدين لم ينفع أبا طالب فقد كان درعاً حصينة يحتمي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكر المشركين ، وهو ـ أي أبو طالب ـ ( في ضحضاح من نار عليه نعلين من نار يغلي منهما دماغه ) .
المال والولد لم ينفع الوليد ين المغيرة ( ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد ) إلى أن قال الله تعالى فيه ( سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر )
السلطة والجاه لم ينفعا فرعون موسى ولا فرعون هذه الأمة أبا جهل ، أما الأول فقد قال الله فيه ( فأخذناه نكال الآخرة والأولى ) وأما الثاني فهو ممن قتل في بدر وقال الله فيهم ( سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر )
وهكذا ليس غير الهداية يحتاج إليه الإنسان لينجو في دنياه وآخرته .
والهداية لها أربعة أركان إذا فقد أحدها لم تكن ثم هداية :
الأول : العلم النافع ، إذ لا يهتدي من لا يعرف الطريق ، ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) ، ذاك تائه وهذا مهتد ، وشتان بين المهتدي والتائه .
والمراد بالعلم التصديق المستلزم للإنقياد والقبول ، وهو حقيقة الإيمان ، أما المعرفة المجردة فلم تنفع إبليس ولا فرعون ولا حتى أبا طالب الذي كان يقول :
ولقد علمت بأن دين محمد ==== من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة ==== لوجدتني سمحاً بذك مبينا
الركن الثاني : العمل الصالح الذي هو سبب للدخول في رحمة الله ، ورحمة الله سبب في دخول الجنة ، ومن صلح علمه واعتقاده صلح عمله ، ومن فسد عمله فإنما هو لفساد في علمه واعتقاده .
ويقول الله تعالى في هذين الركنين : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون )
قال شيخ الإسلام : الهدى العلم النافع ، ودين الحق : العمل الصالح .
الركن الثالث : الدعوة إلى الله ، وهي ثلاثة أقسام : أمر بمعروف ونهي عن منكر ونصيحة للناس ، ولا يتصور لمسلم أن يخلو قلبه من إنكار المنكر مطلقاً ، ولذلك جاء في الحديث ( وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل )
وقد ذكر شيخ الإسلام من أساب الردة في كتاب حكم المرتد من الاختيارات الفقهية ترك إنكار كل منكر بالكلية .
الركن الرابع : هو الصبر على هذه الأمور الأربعة ، فالصبر يكون على العلم وعلى العمل وعلى الدعوة وعلى الصبر ، ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ) .
وقد جمعت هذه الأركان سورة العصر التي قال الشافعي فيها : ” لو تأمل الناس هذه السورة لكفتهم ”
قال تعالى ( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )
بقي لنا أن نتحدث في مقام آخر عن أسباب الهداية وموانع الهداية ولنقل إن شاء الله تعالى .

× whatsapp