يأخذ كثير من منتقدي الدعوة السلفية في الجزيرة العربية قواعد عامة يحكم بها على أئمة الدعوة من قضايا آحاد وردت عن بعض الأئمة في تنزيل القواعد على شخص أو جماعة أو نظام حكم فيقرر أن أئمة الدّعوة غلاة في هذا الجانب أو ذاك ، ويترك مع ذلك نصوصا تضاد ما قرره في اتهام أئمة الدعوة في تأصيل القاعدة الأصلية وتفسيرها وبيان ما يتعلق بها من شروط واستثناءات ، ولعل أبرز مثال لذلك تفريعهم على تطبيق بعض العلماء لقاعدة تكفير من شك في كفر الكافر، وقولهم إن العلامة سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب قد ذكر في كتابه الدلائل تكفير من لم يكفر الجيش الغازي للجزيرة بقيادة إبراهيم باشا، ويفرع هذا الناقد على هذه المسألة التي هي من الآحاد أن أئمة الدعوة هم من غلاة التكفير…
لقد نسي أو تناسى هذا الناقد أن علماء الدعوة قد نصوا في بيان هذه القاعدة …
بأن من شك في كفر الكافر المجمع على كفره لا المختلف في كفره ، وأن هذا الحكم لا يثبت إلا بعد البيان والتوضيح ، قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب – رحمهم الله -: (… فإن كان شاكاً في كفرهم أو جاهلاً بكفرهم بينت له الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، فإن شك بعد ذلك وتردد فإنه بإجماع العلماء على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر ) رسالة “أوثق عرى الإيمان”، ((الجامع الفريد)) (ص: 370).
وهذا هو عين قول شيخ الإسلام الذي قاله فيمن شك في كفر الباطنية بعد معرفة مذهبهم حيث قال رحمه الله (وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى، ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فإنه مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه، فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين) “مجموع الفتاوى” (2/368).
وكذلك قال في بيان حكم من زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً أو أنهم فسقوا عامتهم، قال: (فهذا لا ريب – أيضا- في كفره لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين…) “الصارم المسلول” (ص: 591، 592).
وأصل المسألة هنا أن هذا الناقد لأئمة الدعوة هداه الله يترك هذا الصريح في ذكر الشروط والاستثناءات ليستدل على ما يظنه مذهبهم من العموم والأجمال بتطبيقات آحاد لها مناطها الخاص الذي قد يختلف العلماء في تنقيحه وتحقيقه ، فما هو حال الجيش الذي غزا الدرعية ، وما الحامل لهم على الغزو هل هو بغض التوحيد أم رغبة في جباية الضرائب وما هو الوصف الذي كانوا يصفون به الموحدين في الجزيرة، وكل هذه الأحوال لها أثر في تنقيح المناط وتحقيقه وفي النهاية قد يصيب العالم في الحكم وقد يخطئ، وبكلا الحالين فإن هذا لا يعني خطأ القاعدة العامة فقد يكون الحكم تطبيقا خاطئا لقاعدة صحيحة .
فلو افترضنا جدلا أن بعض أئمة الدعوة أخطئوا في تكفير الجيش الذي غزا الدرعية فهذا لا يعني فساد القاعدة لان الخطأ في تطبيق القاعدة لا يعني الخطأ في أصلها، ولا يعني وصف أئمة الدعوة بالغلو في التكفير.
ومما يؤكد عليه هنا أن من الواجب عدم الخوض في القضايا المعينة التي حكم فيها علماء في وقتهم وانتهت فإذا أريق دم بناء على اجتهاد من عالم فليس من العقل أن نعيد الخصومة فيه بعد مائتي سنة وهذا لا يعني أن لا يكون لكل شخص رأي في تصويب أو تخطئة هذا الاجتهاد لكن لا حاجة للمجادلة في المسألة من جديد فهذا إلى السفه اقرب منه إلى العقل، وأئمة الدعوة لا يجعلون مثل هذه الاجتهادات من القطعيات بل يقبلون فيها الرأي الآخر وعامة قتال علماء الدعوة كان لأجل الدفع أو المقابلة قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب (وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة ﴿ وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها ﴾ وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه والسلام. ) الرسائل الشخصية 5/37 .