Skip to main content

حدث وتحليل : تعديلات نظام رسوم الأراضي البيضاء وأثرة على السوق العقاري

بقلم : المحامي / د.سليمان بن صالح الخميس

يشهد السوق العقاري السعودي في العقدين الأخيرين ارتفاعا شديداً لا يتناسب مع متوسط دخل الأسرة السعودية، ومهما كانت الأسباب إلا أن الباحث المنصف يقر بوجود تصرفات احتكارية تتمثل بشراء الأراضي الخام أو المطورة والتريث في بيعها لسنوات بهدف تضاعف الأسعار، وهذا لا يحصل فقط من قبل كبار المستثمرين، بل إنه تحول إلى توصية من وصيا الادخار لمتوسطي الدخل تتداولها الأوساط المختصة بهذا الشأن.

وقد أثر هذا الارتفاع على المستهلك في جميع أحواله وليس في استهلاكه العقاري فقط؛ فالسلعة التي يشتريها المستهلك من محلات التجزئة تحمل في ثمنها تكاليف أجرة العقار للمحل الذي اشتريت منه، والتي أصبح متوسطها يزيد عن الألف ريال للمتر المربع غالباً في المدن الكبرى في المملكة .

ومن هذا المنطلق صدر عن مجلس الوزراء تعديل نظام الأراضي البيضاء الصادر عام 1437 ليكون باسم: نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة، والذي حددت أهدافه بثلاثة أهداف رئيسية على النحو التالي:

  • زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب.
  • زيادة المعروض من الوحدات العقارية .
  • حماية المنافسة العادلة ومكافحة الممارسات الاحتكارية.

ولا شك أن هذه الأهداف التي صدر لأجلها النظام هي أهداف نبيلة يتفق عليها الجميع وهي تصب في الصالح العام إلا أن الحذر والتحذير من السلبيات المرافقة للتشريعات أمر ضروري؛ ذلك أن علاج مشكلة معينة لا يصح أن يكون سبباً لمشكلة أخرى، وعلى المنظم ومن يرسم آلية تنفيذ أي نظام أن يضع بحسبانه جميع السلبيات التي قد تنتج عن تطبيق النظام بطريقة خاطئة.

إن الرسوم التي تأخذها أي دولة لا تخرج في الغالب عن النوعين أدناه:

النوع الأول: الرسوم المقابلة للخدمات والانتفاع مثل رسوم اصدار التراخيص ونحوها وهذه الرسوم أثرها غالباً ما يكون إيجابياً على الاقتصاد ما لم تكن مكلفة؛ لأنه يساعد على تحسين الخدمة من حيث الجودة والسرعة .

النوع الثاني: الرسوم غير المقابلة للخدمات والتي تهدف غالبا إلى معالجة ظاهرة سلبية مثل رسوم بيع التبغ ومنتجاته أو توزيع المياه الغازية وكذلك الرسوم المفروضة من بعض الدول على المنتجات الأجنبية باسم الجمارك، والرسوم المفروضة على المنتجات المضرة بالبيئة مثل رسوم الكربون ونحوها؛ مما يهدف منه المنظم إلى معالجة ظاهرة سلبية في المنتج، ومن هذا النوع رسوم الأراضي البيضاء والتي تهدف إلى زيادة المعروض وكسر الاحتكار .

وهذا النوع الثاني من الرسوم سلاح ذو حدين يجب عند استخدامه التعامل معه بحذر،  ولكي يؤدي ثماره يجب من وجهة نظر الكاتب مراعاة ما يلي :

  • تحديد نطاق الرسم بما لا يؤثر على التداول الضروري والنافع للمنتج، فعند فرض رسوم على نوع من المواد الكيمائية يجب أن تُستثنى الاستعمالات الطبية لكي لا يترتب على الرسم ارتفاع أسعار الدواء، وغالباً ما تأخذ المجالس التشريعية بهذا الضابط، ومن ذلك الإعفاء الجمركي المعمول به في المملكة عن الاستيراد لغرض إعادة التصدير بعد التصنيع، وفيما يتعلق برسوم الأراضي البيضاء ينص النظام على استثناء المساحات الصغيرة من العقار لأنها غالبا ليست لأجل الاحتكار، وكذلك ينبغي أن ينص في الرسوم المتعلقة بالشواغر على أن يتم تطبيقه في القطاع التجاري فقط وفي السنة الثانية بعد انتهاء العقد السابق للموقع، أما في القطاع السكني فالذي يظنه الكاتب أن تطبيق الرسم على الشاغر سيقلل من حركة العمران لغرض التأجير وهو أمر سلبي غالباً سيفوق على المنفعة المرجوة من فرض الرسم .
  • إعادة تدوير الرسم في حل المشكلة التي يراد معالجتها منه، فرسوم التبغ تصرف في العلاج لمرضى السرطان ورسوم المنتجات الضارة بالبيئة تصرف في تحسين المناخ وهكذا، وهو أمر معمول به في كثير من دول العالم، وفي قطاع الإسكان نحتاج أن نضمن لدافعي الرسوم أن ما يدفعونه سيعود في الغالب بالنفع على منتجاتهم، فإذا كان الرسم المأخوذ من المستثمرين في المخطط (س) في محافظة جدة سيتم صرفه في مصلحة المخطط بعينه فإن هذا سيقلل من الأثر السلبي على المستثمرين، وهناك مصارف لهذه الرسوم تصب مباشرة في منفعة المخطط؛ فعلى سبيل المثال يمكن صرف الرسوم المستوفاة في سداد بعض الفوائد البنكية على قروض المشترين للوحدات السكنية الجاهزة في هذا المخطط وفق ضوابط معينه بحسب حاجتهم، كما يمكن صرف المقبوض من الرسوم في انشاء وحدات في نفس المخطط وتسويقها بأسعار ميسره فلا شك أن هذه الرسوم ستكون مفيدة للجميع وعلاجا فعلا ومباشراً لمشكلة عدم التوازن في المعروض العقاري .
  • المعقولية في الرسم والتدرج في فرضه، فيجب عدم الإضرار بالتاجر؛ فهو ركن أساسي في العملية الاقتصادية والهدف هو تشجيعه على المسارعة بالتطوير وليس عقوبته، ولا شك أن إغفال هذا الضابط سيؤدي على خروج الاستثمارات من السوق العقارية وتوقف تطوير الأراضي وخاصة بغرض التأجير وذلك كله يضاد الأهداف التي أرادها وحددها المنظم .

وختاماً … فيجب ألا يغيب عن من يطبق هذا النظام الغاية الحقيقية منه وأن الهدف التطوير وزيادة المعروض، وأما هبوط الأسعار فهو وإن كان هدفا لدى البعض فيجب أن لا يكون هدفاً قريباً ذلك أن تحقيق هذا الهدف بشكل عاجل يعني الانهيار وسيكون هذا الانهيار مربكاً  للاقتصاد المحلي بأكمله لارتباط كثير من العقارات بالرهون البنكية وانهيار هذه الرهون أمر له سلبياته التي لا يجوز إغفالها بحال .

وفق الله ولاة أمورنا لما فيه الخير والصلاح لبلادنا ولجميع بلاد المسلمين .