Skip to main content

السن القانوني للرشد

صدر في الثاني والعشرين من شهر الله المحرم لعام 1442هـ المرسوم الملكي رقم م/1 المتضمن إضافة مادة إلى نظام المرافعات تحمل الترتيب 224 مكرر بالنص التالي : ( تكون الولاية المالية على القاصر سنا حتى اتمامه سن الثامنة عشر مالم تحكم المحكمة باستمرارها عليه ..) والملاحظ هنا أن هذا المبدأ التنظيمي قاصر في حكمه على الولاية المالية فقط ، فلا يتعلق بالأهلية الشرعية التي تتعلق بها الحدود والجنايات ونحوها بل هو متعلق فقط بالجانب المالي للقاصر سنا .

ولما كان المبدأ العام في المملكة هو أن الكتاب والسنة هما الحاكمان على جميع أنظمة المملكة فالمتعين توضيح المأخذ الشرعي في هذا النظام  ، وبيانه أن الفقهاء يفرقون بين البلوغ وبين الرشد ، فالبلوغ هو السن التي يكون عندها الانسان أهلا للتكاليف الشرعية فهو أعم من الرشد الذي يزيد عليه بأن يكون الإنسان مصلحا في تصرفاته المالية ، فكل راشد بالغ ، وليس كل بالغ راشد ، إذ قد يكون البالغ مجنونا أو سفيها أو جاهلا ، وكان المعمول به في المملكة هو أن الأصل في كل بالغ أن يكون راشدا ما لم يثبت خلاف ذلك وأنه إذا بلغ اختبر في تصرفاته فإن تبين رشده حكم به وإلا أقيم عليه ولي ، ولا شك أن النص الشرعي من القرآن الكريم ظاهر في التفريق بين البلوغ والرشد ، قال تعالى : (وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ ) (النساء6) والنص القرآني علق الحكم على إيناس الرشد من الإنسان بعد البلوغ ، ولهذا نص على الابتلاء والاختبار .

وفقهاء الإسلام لهم تفاصيل في تحديد سن الرشد بعد البلوغ فجمهورهم على عدم التحديد وأن العبرة بالاختبار فمتى شهدت البينة بالأهلية بعد الخامسة عشر قبلت وثبت الرشد ، ومنهم من جعل الثامنة عشر حدا ومنهم من جعل الخامسة والعشرين حدا لا يجوز الزيادة عليه وبموجب التنظيم الجديد لا يصح سماع البينة قبل تمام الثامنة عشر .وهي السن المنصوص عليها نظاما .

إن الأحكام المتعلقة بهذا التغيير النظامي كثيرة منها : عدم صحة تصرفات من دون الثامنة عشر لنفسه إلا باليسير عرفاً ، وعدم صحة إقراراته المالية في غير اليسير لكون الأمر متعلق بوليه لا به ، وعدم جواز بيع عقاره إلا للضرورة ولما يثبت قضاء أن فيه غبطة له .

أما تصرفاته في الأحوال الشخصية فتصح منه فيقع قبوله للنكاح صحيحا ويقع طلاقه صحيحا لأن ذلك معلق بالبلوغ لا بالرشد إلا أنه يرجع فيه إلا مهر المثل فلو فرض للزوجة مهرا أكثر من المثل لم يلزم إلا بموافقة الولي .

وأما ما يتعلق بالحدود والجنايات  والتعزيرات وضمان المتلفات فتلزمه في بدنه وماله لأنه بالغ مكلف وعدم الرشد في المال لا يمنع من الضمان ولا من استيفاء حقوق الله وحقوق العباد في القضايا الجزائية .

ومما ينبغي التنبه له أن النص النظامي لا يسري بأثر رجعي فالأحكام والعقود والبيوع التي سبقت الأمر هي على مر لأنها وقعت وفق اجتهاد شرعي ونظامي صحيح ، وعدول ولي الأمر إلى القول الآخر يعتبر من تاريخه كما قال عمر بن الخطاب في المسألة المشركة ( تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي) فمن تصرف في وقت حكم فيه برشده بنص النظام فهو على ذلك النص .

وعندي أيضا أن النص النظامي إنما يسري على من كان دون الخامسة عشر عند صدوره فقط دون من كان فوق الخامسة عشر لأن القول بسريان النص النظامي على من كان فوق الخامسة عشر عند صدور النظام يقتضي التناقض بتصحيح تصرف أمس وإبطاله اليوم مع أن تصحيحه ورشده كان وفق نص شرعي ونظامي وليس أحد النصين أولى من الآخر .

وختاما فإن هذا التعديل هو أخذ في الأحوط لأموال القصر إلا أنه يستوجب من الجهات المختصة المتابعة الحازمة لتصرفات الأولياء لأن طول الولاية قد يتسبب في هلاك المال بسوء التصرف وعدم الإحسان من الأولياء ، ومن شهد الواقع عرف ضرورة ما نطالبه من حزم وبصيرة في هذه المتابعة .

× whatsapp