Skip to main content

السينما اقتصادياً واجتماعياً

  المطالبون بافتتاح صالات السينما في السعودية لايبررون مطالبتهم بما يسندها في الجانب الاجتماعي والاقتصادي ، ورغم أنه من المؤكد أن الجانب الديني واضح في هذه القضية وليس هو محل النقاش في هذا المقال حيث لايسوغ جعل مااستقرت عليه الفتوى موضع الجدال ، لكن الذي لفت انتباهي أن تبرير هذه المطالبة اقتصادياً واجتماعياً غير موجود في أطروحات المؤيدين ، وهو ما جعلني أكتب في مناقشة هذا الجانب عسى أن يكون فيه نوع إضافة في هذا الموضوع  .

إن المطلع على اقتصاديات صناعة السينما العالمية يتضح له أن العائد من صالات السينما في حال فُتحت في المملكة سيكون هو زيادة التحويلات المالية للخارج ، حيث إن الفيلم الذي ينتج في أمريكا ثم يعرض في دور العرض في العالم ستكون محصلة مبيعاته في حساب المنتجين وليس المستهلكين ، وهذا العائد ليس بالأمر الهين وقد قدرته مجلة فاريتي الفنية بأكثر من 50% من ايرادات هوليود من شباك التذاكر ؛ حيث ذكرت أنها تأتي عادة من مبيعات التذاكر خارج الولايات المتحدة الأمريكية ، وأن 70% من إجمالي إيرادات الأفلام الامريكية عموماً تأتي من المبيعات خارج الولايات المتحدة ، ولذلك فإن حقيقة الحملة على المجتمع السعودي في موضوع السينما هي بسبب الاقتصاد ؛ والإصرار على فتح السوق السعودي للسوق السينمائي العالمي .

  هناك أيضاً جانب اقتصادي آخر ، وهو جانب داخلي ؛ حيث إن كثيراً من شركات الأفلام التي تمتلك تراخيص للعمل الإعلامي في الداخل ترغب في فتح هذا السوق للحصول على حصتها من الكعكة ، وتحقيق زيادات في مبيعاتها على حساب الجماهير المستهلكة خاصة وإن كثيراً من أساطين الصناعة الاعلامية العرب يجمعون بين الفكر الليبرالي والتجارة ؛ فأحدهم يحب أن يخدم فكره بماله ، كما يحب أن يستغل فكره بجني المال  .

 والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما مردود السينما على الاقتصاد السعودي ؟ ، وهل هي فعلاً تتفق المطالبة بالسينما مع رؤية 2030 ؟ ، وكم من الوظائف التي سوف توجدها السينما في السوق السعودي حينما يقتصر دور الموظف فيها على بيع التذاكر وتشغيل الصالة ؟ ، وماهو المنتج الحقيقي الذي سوف تضيفه السينما إلى الاقتصاد السعودي ؟ .

  إن الجواب على هذه الأسئلة واضح , وهو أن دور السينما الاقتصادي في هذا الموضوع سيكون فقط في زيادة حجم الانفاق الاستهلاكي للمجتمع ولن يضيف جديداً إلى الناتج المحلي  .

 أما الجانب الاجتماعي في موضوع السينما فظاهر ؛ فالجميع يعلم ضرر الأفلام السينمائية على الأسرة ويعلم أن السينما لن تعزز الوحدة الوطنية ولا الوحدة الاجتماعية بل لربما كانت سبباً في صناعة جريمة الإرهاب حينما يستغلها الأعداء للطعن في ثوابت المجتمع ، كما أنها غالباً سوف تصنع الفروق الفكرية داخل المجتمع بأسره بل وداخل الأسرة الواحدة حتى يختلف الولد مع والديه .

  إن من أهداف السينما صناعة القدوات الغربية وإحلالها محل القدوات الوطنية ، وكسر الخصوصية الفكرية والسياسية والقيمية للمجتمع السعودي ؛ من خلال عولمة الفكر الغربي وجعله أساساً ومرجعاً لتقييم الصواب والخطأ في القدوات والأفكار والسياسات والقيم ، وفي السعودية تتركز الخصوصية للحضارة الاسلامية ويتمركز التميز الفكري والقيمي بل والسياسي حيث تمثل المملكة (مجتمعاً ودولة) الصورة الأقرب للمجتمع والنظام الاسلامي ، واخضاع هذه الخصوصية إلى المواجهة مع المنتج السينمائي العالمي سيكون أشبه بدخول حرب غير متكافئة بسبب ما تتمتع به الحضارة الغربية من تقدم في هذا المجال ، وسيكون له آثار سلبية في النواحي الاجتماعية والقيمية والسياسية في المجتمع .

   وبعيداً عن الاتهام لأي أحد إلا أنني أوجه السؤال لكل من ينادي أو يشجع على افتتاح دور السينما في السعودية ما الذي تريد أن تحققه من هذه المطالبة ؟ وما الذي فات على المجتمع من عدم وجود هذه الدور في بلادنا ؟ قليلاً من الحكمة أيها المطالبون.

  سيقول البعض : الترفيه غاية مجتمعية ، وسيقول آخرون : الناس يشاهدون في بيوتهم ما تحذَّر منه ، وسيقول آخرون : ماذا نقول للعالم ونحن في القرن الحادي والعشرين؟

   كلمات تعودنا سماعها ، أما الترفيه فهو ليس غاية ولكنه وسيلة للنمو والازدهار ، ونحن حينما نجعل من الترفيه غاية لمجتمعنا فنحن نختار أسوأ ما لدى الآخرين لننقله إلى بلادنا ، وننشره بين شبابنا ، تاركين المجالات الحقيقية التي تتنافس فيها الأمم والشعوب فيصدق علينا قول الشاعر : 

منهم أخذنا العود والسيجارة      وما عرفنا ننتج السيارة

  إن الحكمة تقتضي أن ننتقي من صناعات القوم وأطيب مالديهم ليكون دافعاً لنا للرقي بمجتمعنا أما أن نقصد المحتوى الثقافي الذي يسوقونه في السينما وننشره في مجتمعنا دون النظر بعواقب ذلك علينا وما سيؤدي إليه من الفرقة والنزاع فهذا إلى السفه أقرب منه إلى الرشد .

   ونحن لاننكر أن كثيراً من الناس قد ابتلي بمشاهدة الأفلام السينمائية في بيوتهم إلا أن هذا لايبرر النشر من خلال وسيلة إضافية , خاصة وأن هذه الدور ستكون إضافة إلى مافي البيوت وليست بديلاً عنها ، وبالتالي فنحن نزيد الطين بِلة ، ونخرق الثوب المرقع ، والحكمة هي إصلاح الخلل لاتطبيعه وجعله مبررِاً لمزيد من الخلل .

   إن ضعف الهوية لدى كثير من أبنائنا جعلهم يعيشون همَّ الآخر ؛ ففي كل قضية يتخذون آرائهم بحسب ما يتوقعونه من الآخر لا بحسب ما يعتقدونه في ذواتهم ، فهم يتحدثون عن ما يريد الغرب منهم لا عن ما يريدونه هم من أنفسهم ، عقول أشبه بعقول الأطفال الذين يقلدون من سبقوهم ويخفون عن زملائهم في المدرسة واقعهم في بيوتهم من خلال اختراع الأكاذيب والقصص الوهمية ، ولو أنهم أنصفوا لعلموا أن ثياب غيرهم غالباً لاتناسبهم ، وأن الاعتزاز بما لديك خير من التطفل على ثقافة مستوردة ، وقبل ذلك كله فإن العالم الغربي سيظل يطالبكم بالمزيد حتى تتبعوا ملتهم (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) فهل سيستمرون في طريق جحر الضب أم سيرجعوا لدينهم فيسلموا ويغنموا .         

وكتبه : د.سليمان بن صالح الخميس 

1438/4/24هـ

× whatsapp